منذ تفشيه لا يزال فيروس كورونا يعيث في الاقتصاد العالمي دمارا حتى أصابه بالشلل، فقد عرقل الإنتاج والإمداد والنقل الجوي عبر العالم، وأضعف الطلب العالمي، وعزل دولا ووضعها تحت الحجر الصحي، وأخرى تحت حظر التجول، وأصاب قطاعات المال والطيران والنقل والسياحة بخسائر فادحة.

قنوات التأثير
هناك عدة قنوات يؤثر من خلالها فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي، وهي:

 1- التبادل التجاري، إذ يؤدي إلى إعاقة الإنتاج وعرقلة الإمداد وإضعاف الطلب العالمي، ومنه الطلب على الطاقة.

2- الترابط المالي، وقد طال تأثيره المادي والمعنوي أسواق المال العالمية التي شهدت انهيارات وأسوأ أداء منذ اندلاع الأزمة المالية العالية عام 2008، وبهذا تعطي أسواق المال مؤشرا سلبيا على شعور المستثمرين بتوجهات تأثير الفيروس على الاقتصاد العالمي.

 3- السياحة والنقل، إذ خفض معدل الرحلات وأغلق العديد من المطارات حول العالم، فهو يؤثر على العرض والطلب العالميين.

أما على مستوى الاقتصاد المحلي للدول فيؤثر الفيروس من خلال ثلاث قنوات:

1- إعاقة النشاط الاقتصادي، وذلك عبر إعاقة الإنتاج والخدمات والمواصلات والنقل والسياحة والتسوق، وإضعاف العرض والطلب.

وهناك مدن وضعت تحت حظر التجول وتحولت إلى مدن أشباح كما شهدنا في الصين وإيطاليا، والعدد آخذ في الازدياد حول العالم .

2- تكاليف التصدي والاحتواء، من إنقاذ ودعم وإجراءات احترازية لقطاع الصحة والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية بتكاليف باهظة وآخذة في الارتفاع.

3- الثقة واليقين، فالارتباك وعدم اليقين يضعفان الثقة، ويؤدي ذلك إلى الإحجام عن الاستثمار والإنفاق والسياحة.

وبالمحصلة، سيصيب الفيروس الاقتصاد العالمي بالشلل، إذًا هناك توقعات بتراجع النمو في الصين وحدوث انكماش في اليابان وركود في فرنسا، كما أن هناك دعما ماليا ضخما في ألمانيا، وإغلاقا للمناطق الصناعية في شمال إيطاليا، وخفضا طارئا لأسعار الفائدة إلى حدود الصفر في بريطانيا وأميركا، مع ضخ سيولة هائلة لإنقاذ القطاعي المالي ودعم الاقتصاد في أميركا، وفي منطقة اليورو (750 مليار يورو).

ركود عالمي
يبدو أن الاقتصاد العالمي مقبل لا محالة على تراجع إن لم يكن انكماشا حادا، والتوقعات الأولية تشير إلى انخفاض النمو بحدود 0.9-0.5% إلى 1.5% هذا العام، وقد يصل إلى أدنى مستوى له منذ الأزمة المالية العالمية، بحسب منظمة التعاون.

وقد يشهد العالم أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، وستعتمد هذه الاحتمالات على مدى الانتشار الزماني والمكاني للفيروس، وعمق الأزمة التي سيتسبب فيها، ومتى تضع الحرب معه أوزارها.

لكن كلما طال أمد الصراع ضد كورونا أدى ذلك إلى ارتفاع  حالات الإفلاس بين الشركات والبطالة بين المجتمعات، وستكون الفئات الأضعف و"ذوو الدخل الأقل" هم الأكثر عرضة، وستكون لذلك تبعات اجتماعية كبيرة وضغوط هائلة على الحكومات لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي من خلال برامج الإنقاذ والدعم المختلفة وخفض الضرائب.

هذه الحكومات ستكون مداخيلها متأثرة أساسا بسبب شلل الاقتصاد المحلي والعالمي، وسيشكل كورونا مع انهيار أسعار النفط بسبب حرب الأسعار السعودية أثرا سلبيا مزدوجا على دول الشرق الأوسط، وسيشكلان تحديا كبيرا للدول التي تعاني من هشاشة أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية أساسا ولم تستفد من تجربة الربيع العربي بالمضي قدما في إصلاحات مقنعة، كالعراق ولبنان والجزائر ومصر.

الصين مثال واضح
أعطت الصين -وهي مهد تفشي الوباء- مثالا واضحا على كيفية إضرار الفيروس بالاقتصاد الصيني ومنه إلى الاقتصاد العالمي، فالصين هي صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بنسبة 17% من حجم الاقتصاد العالمي، وهي أكبر مصدر للبضائع حول العالم، وتعتبر مصنع العالم، إذ تمده بثلث احتياجاته من المنتجات الصناعية، وهي أكبر مستورد للنفط في العالم، وتشكل مصدرا كبير للطلب على السياحة العالمية.

لذلك عندما يصاب الاقتصاد الصيني بالشلل فلا بد أن يتأثر العالم، وبقاء العمال في بيوتهم وإغلاق المصانع أديا إلى هبوط المؤشر الصناعي لأدنى مستوى في تاريخه.

لقد كان قطاع الصناعة الصيني الأكثر تضررا، إذ انخفض نشاطه لأرقام قياسية، وهذا سيؤدي إلى عرقلة الإمداد من الصين للعالم، سواء بمنتجات نهائية أو وسيطة داخلة في إنتاج منتجات أخرى حول العالم.

ولو طال أمد هذه الأزمة فسيسهم ذلك في ارتفاع تكاليف الإمداد والإنتاج العالمي، وسيسهم بالتالي في تباطؤ الاقتصاد العالي، وهناك كثير من شركات التصنيع العالمية التي تعتمد على سلاسل إمداد من الصين.

ويعكس تهاوي مبيعات السيارات بنحو 92% في فبراير/شباط الماضي مدى تضرر قطاع المواصلات الصيني، وهكذا فإن تفشي الوباء في دول صناعية أخرى سيكون له أثر مماثل على قطاعاتها الصناعية ونشاطها الاقتصادي.