تمر دول العالم بأزمات اقتصادية وشح في الموارد وتراجع في النمو يقودها إلى عدم القدرة على الوفاء بمتطلبات التنمية والاستمرار في تنفيذ مشاريع البنية التحتية وتحقيق تطلعات واحتياجات المجتمع والإبقاء على امتيازات مرحلة الرخاء والازدهار، كدعم خدمات الوقود والكهرباء والماء وأسعار بعض السلع الأساسية وتوفير فرص عمل وتخصيص إعانات لذوي الدخل المحدود، ما يؤدي إلى آثار خطيرة تتمثل في ارتفاع نسب البطالة، الاستغناء عن عدد من الموظفين خاصة في مؤسسات القطاع الخاص، ارتفاع الأسعار ونسبة الفقر، تصل إلى نمو حالات السخط والإحباط الشعبي، تنظيم المظاهرات والاحتجاجات العمالية، عدم الاستقرار، فوضى سياسية وانهيار مقومات الدولة، فالثورة الفرنسية التي اندلعت في عام 1789 واستمرت حتى 1799 يعود سببها الرئيسي إلى أن الحكومة الفرنسية كانت غارقة في الديون وحاولت استعادة وضعها المالي من خلال خطط ضرائب لم تحظ بشعبية بين العامة. وانتفاضة الخبز التي خرجت في عدد من المدن المصرية في يناير 1977، كانت بدافع من الإجراءات التقشفية لتخفيض العجز ورفع أسعار عدد من المواد الأساسية، ما أجبر الحكومة على التراجع عن زيادة الأسعار نتيجة الضغط الشعبي.


وابتداء من العام 2008م (اجتاحت شوارع إسبانيا والبرتغال واليونان وإيطاليا وبلجيكا حشود غاضبة من الفئات الأكثر حرمانا)، بسبب الأزمة الاقتصادية - المالية الخانقة التي شهدتها هذه البلدان. الأزمات الاقتصادية لها أسبابها وظروفها ونتائجها التي تختلف من دولة إلى أخرى، ويتطلب الاقتصاد المريض فيها إلى سنوات من المعالجة والتعافي إلى أن يتمكن من استعادة أنفاسه، فيما تظل دول كثيرة تعاني لعقود ولا تزال وتأتي في مقدمتها العديد من الدول العربية والأفريقية التي ظل اقتصادها يترنح ويعاني من العجز منذ نهايات القرن الماضي وحتى اليوم، وتعزى أسباب ثورات الربيع العربي إلى أوضاع اقتصادية مزرية تفشى فيها الفساد والفقر والجهل وارتفعت نسب البطالة وأسعار السلع الأساسية لحد لم تعد فيه شرائح واسعة من مجتمعات هذه الدول القدرة على العيش بكرامة وإنسانية، ولا ننسى أن الشرارة الأولى لثورات الربيع العربي أطلقها محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجاً على مصادرة سلطات البلدية في هذه المدينة لعربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه لكسب رزقه وهو دافع اقتصادي دون منازع.


هذه الأحداث التي يرتبط فيها الاجتماعي بالسياسي بالاقتصادي وبحالات عدم الاستقرار أدت إلى تنامي الوعي الاقتصادي وإدراك الأنظمة السياسية خاصة في الدول المتقدمة بحساسية الاقتصاد في العصر الحديث، نظرا لترابطه والتأثيرات غير المباشرة التي يتسبب فيها اقتصاد دولة ما على اقتصاديات أخرى في المنطقة الواحدة أو الوحدة الاقتصادية التكاملية، فأزمة الدين الحكومي التي عصفت بالاقتصاد اليوناني أثرت على اقتصاد الدول الأوروبية بشكل متفاوت أو كادت أن تؤثر لولا تدارك الموقف، وقيام هذه الأخيرة بعقد الاجتماعات واتخاذ الإجراءات وتقديم المساعدات والضمانات والمعالجات لوقاية وحماية وضمان تعافي الاقتصاد اليوناني المتضرر من الانهيار، لذلك فإن الأزمات الاقتصادية الحديثة سرعان ما تتعافى، فيعاود الاقتصاد نشاطه ونموه، والأمثلة على ذلك كثيرة، الأزمة المالية العالمية في 2008 - أزمة الدين الحكومي في اليونان 2010 - انهيارات أسعار النفط خلال المراحل المنصرمة، هذه النماذج والتجارب تقدم لنا الكثير من الدروس التي ينبغي استثمارها وتوظيفها في قيام اقتصاد قوي قادر على تعزيز الاستقرار والرخاء ومواصلة تنفيذ المشاريع التنموية الشاملة.